
( بكاء من على سطح الباخرة )
بالتأكيد هي ذكريات لاتنسى أو تمحى من مخيلتي، لأستذكر تلك الأيام الصادمة وأنا في مدينة بورتسودان متجهاً صوب المملكة العربية السعودية الشقيقة حين فرض علينا المرتزقة هذه الحرب اللعينة الجارية في بلادي، ولظروف عناء السفر على من سطح الباخرة ( العبارة ) المتجهة صوب مدينة جدة ، وكنت أحرص على إشغال وقتي في الباخرة وفي الحوار إلى مجموعة من الشخصيات لكسر روتين الوقت ورتابة عناء السفر وأنا مجبر لذلك أن أستمع إلى هذا الكم الهائل من المسئولين والركاب الذين يسخطون سخط الويل لهؤلاء المرتزقة الأوباش ومن شايعهم من بني (قحت)
وركنت أنا إلي عدد من الذين يزرفون الدمع دماً ، وهم متحدثي الذين جمعتني بهم لحظات السفر ، أنا وهم نحمل في دواخلنا الكثير من الغبن والمألات والصدمة والبكاء وحرقة القلب والحشا التي شاهدناها بعد إندلاع هذه الحرب اللعينة في بلادي من دمار وقتل وسلب وإغتصاب للحرائر جراء الحرب اللعينة من قبل الدعم السريع والمرتزقة وشتات البشر من كل حدبٍ وصوب، وأنا أستمع لهؤلاء المغبونين ونحن من على سطح الباخرة وبغض النظر عن الكشف لشخصياتهم وإنتاماءاتهم السياسية وهم من المسئولين النافذين ، إلا أنني حريص على الاستماع إليهم لأظفر بمعلومات عامة قد تكون مفيدة لي ، وبعد هذا الوقت الطويل في الحديث بيننا والباخرة تضرب عباب البحر الأحمر ونحن نتجاذب أطراف الحديث حول أوضاع الحرب الشرسة على بلادي ، قلت لهم أعتقد أن معالجة وضع الحرب تحتاج منا إلى دراسة وخطة تضعها قواتنا المسلحة العريقة لإنهاء ما يقوم عليه هؤلاء المرتزقة وعناصر الدعم السريع الذين ليس لهم دين ولا منطق .
فيقول البعض من الركاب ونحن على سطح الباخرة إن الذي ينظر لمجتمعنا السوداني على انه مجتمع محافظ أو مسالم أو معتدل عليه أن يعيد النظر في تفكيره لأن المجتمع السوداني جله غير مدرك لما يخطط له من بعض الدوائر الخارجية والداخلية ومن أبناء السودان أنفسهم ، فالمجتمع السوداني قد نحى ومنذ أمدٍ بعيد بأفكار وسياسات حزبية عقيمة متعددة وصلت إلى درجة التناقض وبالكثير من القشور ودفن الرؤوس في الرمال لرؤساء الأحزاب العقيمة خشية أن يروا وجوههم في الزجاج العاكس فيقرئوا فيها حقائق ذواتهم وأن يتعرفوا على مكنون أنفسهم بعد أن تجاهلوا واقعهم المرير .
.
وفي ختام حديثنا وبعدما أوشكت الباخرة أن ترسو في ميناء جدة يقول أحدهم أولاً يجب علينا معرفة أنفسنا كسودانيين وبعدم متابعة الإعلام السالب والغير حقيقي ولدينا من الإعلاميين الذين سيصححون المسار قريباً ، وأن نركن للحوار المجدي بعد إنتهاء هذه الحرب الضروس ولكن علينا أن لا نتعجل النتائج ، فالبناء يتطاب وقتاً وصبراً وعملاً دءوباً وشجاعاً بعد هذا الدمار الممنهج الذي إتبعه هؤلاء المرتزقة الذين ليست لهم رحمة على المواطنين الأبرياء الذين هجروا من منازلهم ومنهم من نزح خارج البلاد بحثاً للأمان على أرض الله الواسعة. فيقول أحدهم متى يا ترى العودة المنتظرة والنية السليمة في أن نعيد ترميم ما دمره هؤلاء الأنجاس ، وأن نصحوا من غفلتنا التي تأصلت فينا نحن كسياسيين ومفكرين ومستنيرين ومثقفين .